حضارة وادي السند كانت واحدة من أولى الحضارات العالمية العظيمة. بدأت هذه الحضارة في الازدهار قبل نحو 4500 عام، وكانت تتمركز في أودية النهر الشاسعة، وهي المنطقة التي تُعرف الآن باسم الباكستان، وشمال غربي الهند. وتُسمى هذه الحضارة في بعض الأَحيان بـحضارة هارابا. واكتسبت هذه الحضارة اسمها من اسم مدينة هارابا الباكستانية، حيث اكتشف علماء الآثار لأول مرة دلائل تشير إلى وجود حضارة.
تطور حضارة وادي السند. تطورت هذه الحضارة بوساطة جماعات كانت تمارس الزراعة والرعي، وعمل بعضها مع بعض بالتجارة. وفي حوالي عام 2500 ق.م، أصبحت هذه الجماعات أَكثر اتحادًا من حيث الثقافة، وبدأت بناء مدن خُططت بصورة دقيقة في بعض الأماكن. ونمت بمرور الوقت حضارة وادي السند لتشمل معظم ما يُسمَّى اليوم باكستان وأجزاء مما يعرف اليوم بأفغانستان، وشمال غربي الهند. وكان قلب تلك الحضارة الوادي الشاسع الذي كانت تغمره مياه فيضان نهري السند وهاكرا، أما نهر هاكرا، وقد عُرف أيضًا باسم نهر غاغار وساراسفاتي، فقد جفَّت مياهه الآن. وكانت مياه ذلك النهر تنساب إلى جهة الشرق من نهر السند وبمحاذاته، في المناطق التي تُعرف حاليًا بالهند والباكستان. وقد طورت تلك الحضارة نظامًا معياريًا للأوزان والمقاييس، ونظام الكتابة التصويرية وهو النظام الذي يعتمد على رسومات بسيطة تمثل الكلمات.
ومارس أهل حضارة وادي السند التجارة بعضهم مع بعض على نطاق واسع. وتاجر سكان المدن مع جيرانهم من الجماعات الزراعية، ومع الجماعات التى سكنت في مناطق بعيدة، ومارست عمليات التعدين. وربما كانت البضائع التي تم الاتجار بها تشمل القطن، والأَخشاب، والحبوب، والحيوانات. أما فيما يتعلق بالمواصلات فقد استخدم الناس حيوانات الحمل، والمراكب النهرية، والمركبات التي تجرها الثيران. وتاجر أهل حضارة وادي السند كذلك مع أهل حضارات أخرى، بما في ذلك حضارات في أواسط أسيا، وبلاد ما بين النهرين، وعلى طول الخليج العربي.
بدأت حضارة السند في التفكك بحلول عام 1700ق.م. وتحولت إلى ثقافات أصغر، سُميت ثقافات هارابا الأخيرة، ويطلق عليها أحيانًا اسم حضارة ما بعد ثقافات هارابا. وكان أحد أسباب تفكك تلك الحضارة، تقلبات أحوال مياه النهر. وشملت تلك التقلبات جفاف مياه نهر هاكرا، والتغيرات التي طرأت على مجرى نهر السند. وسببت هذه التغيرات اضطرابًا في الأنظمة الزراعية والاقتصادية، وغادر كثير من الناس المدن الواقعة فى منطقة وادي السند إلا أن بعض جوانب فنون حضارة وادي السند وزراعتها وربما نظامها الاجتماعي أيضًا قد استمرت في الثقافات الصغيرة التي أعقبتها. وأصبح بعض تلك الجوانب مدمجًا في الحضارة الموحدة التي بدأت تنمو على نطاق المنطقة في حوالي عام 600 ق.م.